فصل: فَصْلٌ: الْوَكِيلَانِ هَلْ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ فِيمَا وُكِّلَا بِهِ؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: الْوَكِيلَانِ هَلْ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ فِيمَا وُكِّلَا بِهِ؟

أَمَّا الْوَكِيلَانِ بِالْبَيْعِ فَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا التَّصَرُّفَ بِدُونِ صَاحِبِهِ.
وَلَوْ فَعَلَ لَمْ يَجُزْ، حَتَّى يُجِيزَ صَاحِبُهُ أَوْ الْمُوَكِّلُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ، وَالْمُوَكِّلُ إنَّمَا رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا، وَاجْتِمَاعُهُمَا عَلَى ذَلِكَ مُمْكِنٌ فَلَمْ يُمْتَثَلْ أَمْرُ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ.
وَكَذَا الْوَكِيلَانِ بِالشِّرَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى، أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ الْآخَرُ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْبَيْعِ، إلَّا أَنَّ فِي الشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِدُونِ صَاحِبِهِ يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَا يَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَفِي الْبَيْعِ يَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ.
وَكَذَلِكَ الْوَكِيلَانِ بِالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ، وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَالْخُلْعِ، وَالْكِتَابَةِ، وَكُلِّ عَقْدٍ فِيهِ بَدَلٌ هُوَ مَالٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ، وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا بِانْفِرَادِهِ.
وَكَذَا مَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّمْلِيكِ بِأَنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ: جَعَلْتُ أَمْرَ امْرَأَتِي بِيَدِكُمَا، أَوْ قَالَ لَهُمَا: طَلِّقَا امْرَأَتِي إنْ شِئْتُمَا، لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّطْلِيقِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ أَمْرَ الْيَدِ تَمْلِيكًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى الْمَجْلِسِ؟ وَالتَّمْلِيكَاتُ هِيَ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ، وَالتَّمْلِيكُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَشْرُوطٌ بِالْمَشِيئَةِ، كَأَنَّهُ قَالَ: طَلِّقَا امْرَأَتِي إنْ شِئْتُمَا وَهُنَاكَ لَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا التَّطْلِيقَ دُونَ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطَيْنِ لَا يَنْزِلُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِهِمَا فَكَذَا هَذَا، وَكَذَا الْوَكِيلَانِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَقْبِضَ دُونَ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ وَالْأَمَانَةِ، وَقَدْ فَوَّضَ الرَّأْيَ إلَيْهِمَا جَمِيعًا لَا إلَى أَحَدِهِمَا وَرَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا جَمِيعًا لَا بِأَمَانَةِ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُبَرِّئْهُ الْغَرِيمُ حَتَّى يَصِلَ مَا قَبَضَهُ إلَى صَاحِبِهِ، فَيَقَعُ فِي أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا، أَوْ يَصِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ الْمَقْبُوضُ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ إلَى الْمُوَكِّلِ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْقَبْضِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا قَبَضَاهُ جَمِيعًا ابْتِدَاءً.
(وَأَمَّا) الْوَكِيلَانِ بِالطَّلَاقِ عَلَى غَيْرِ مَالٍ، وَالْعِتْقُ عَلَى غَيْرِ مَالٍ وَالْوَكِيلَانِ بِتَسْلِيمِ الْهِبَةِ وَرَدِّ الْوَدِيعَةِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَيَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ فِيمَا وُكِّلَا بِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِمَّا لَا تَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ، فَكَانَ إضَافَةُ التَّوْكِيلِ إلَيْهِمَا تَفْوِيضًا لِلتَّصَرُّفِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ.
(وَأَمَّا) الْوَكِيلَانِ بِالْخُصُومَةِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَصَرَّفُ بِانْفِرَادِهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَنْفَرِدُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْخُصُومَةَ مِمَّا يَحْتَاجُ، إلَى الرَّأْيِ، وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا، فَلَا يَمْلِكُهَا أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ: أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْخُصُومَةِ إعْلَامُ الْقَاضِي بِمَا يَمْلِكُهُ الْمُخَاصِمُ، وَاسْتِمَاعُهُ وَاجْتِمَاعُ الْوَكِيلِينَ عَلَى ذَلِكَ يُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ وَالِاسْتِمَاعِ؛ لِأَنَّ ازْدِحَامَ الْكَلَامِ يُخِلُّ بِالْفَهْمِ، فَكَانَ إضَافَةُ التَّوْكِيلِ إلَيْهِمَا تَفْوِيضًا لِلْخُصُومَةِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَأَيُّهُمَا خَاصَمَ كَانَ تَمْثِيلًا، إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا الْقَبْضَ دُونَ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ يَمْلِكُ الْقَبْضَ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْقَبْضِ مُمْكِنٌ فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِقَبْضِ أَحَدِهِمَا بِانْفِرَادِهِ.
(وَأَمَّا) الْمُضَارِبَانِ فَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا التَّصَرُّفَ بِدُونِ إذْنِ صَاحِبِهِ إجْمَاعًا.
وَفِي الْوَصِيَّيْنِ خِلَافٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الْوَكِيلُ هَلْ يَمْلِكُ الْحُقُوقَ؟ جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ: أَنَّ الْمُوَكَّلَ بِهِ نَوْعَانِ: نَوْعٌ لَا حُقُوقَ لَهُ، إلَّا مَا أَمَرَ بِهِ الْمُوَكِّلُ، كَالْوَكِيلِ بِتَقَاضِي الدَّيْنِ، وَالتَّوْكِيلِ بِالْمُلَازَمَةِ وَنَحْوِهِ.
وَنَوْعٌ لَهُ حُقُوقٌ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَنَحْوِهِ.
(أَمَّا) التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: فَحُقُوقُهَا تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ، فَيُسَلَّمُ الْمَبِيعَ، وَيَقْبِضُهُ وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ وَيُطَالِبُ بِهِ وَيُخَاصِمُ فِي الْعَيْبِ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ.
وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى إضَافَتِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَيَكْتَفِي فِيهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ، فَحُقُوقُهُ رَاجِعَةٌ إلَى الْعَاقِدِ كَالْبِيَاعَاتِ وَالْأَشْرِبَةِ.
وَالْإِجَارَاتِ وَالصُّلْحِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، فَحُقُوقُ هَذِهِ الْعُقُودِ تَرْجِعُ لِلْوَكِيلِ وَعَلَيْهِ، وَيَكُونُ الْوَكِيلُ فِي هَذِهِ الْحُقُوقِ كَالْمَالِكِ، وَالْمَالِكُ كَالْأَجْنَبِيِّ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْمُوَكِّلُ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَكِيلِ بِالثَّمَنِ وَلَوْ طَالَبَهُ فَأَبَى لَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إلَيْهِ.
وَلَوْ أَمَرَهُ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مَلَكَ الْمُطَالَبَةَ، وَأَيُّهُمَا طَالَبَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ إلَيْهِ.
وَلَوْ نَهَاهُ الْوَكِيلُ عَنْ قَبْضِ الثَّمَنِ صَحَّ نَهْيُهُ.
وَلَوْ نَهَى الْمُوَكِّلُ الْوَكِيلَ عَنْ قَبْضِ الثَّمَنِ لَا يَعْمَلُ نَهْيُهُ، غَيْرَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ إلَى الْمُوَكِّلِ يَبْرَأُ عَنْ الثَّمَنِ اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا الْوَكِيلُ هُوَ الْمُطَالَبُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إذَا نَقَدَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَلَا يُطَالِبُ بِهِ الْمُوَكِّلُ.
وَإِذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَ نَقَدَ الثَّمَنَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ نَقَدَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ عَيْبًا، لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْوَكِيلَ، وَإِذَا أَثْبَتَ الْعَيْبَ عَلَيْهِ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَخَذَ الثَّمَنَ مِنْ الْوَكِيلِ إنْ كَانَ نَقَدَهُ الثَّمَنَ، وَإِنْ كَانَ نَقَدَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ أَخَذَهُ مِنْهُ.
وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ هُوَ الْمُطَالَبُ بِالثَّمَنِ دُونَ الْمُوَكِّلِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْبِضُ الْمَبِيعَ دُونَ الْمُوَكِّلِ.
وَإِذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ فَهُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ.
وَلَوْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْمُوَكِّلِ بَعْدُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَلَّمَهُ إلَى مُوَكِّلِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ إلَّا بِرِضَا مُوَكِّلِهِ.
وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْإِجَارَةِ، وَالِاسْتِئْجَارِ وَأَخَوَاتِهِمَا، وَكُلُّ عَقْدٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى إضَافَتِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ فَحُقُوقُهُ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ، وَالْعَتَاقِ عَلَى مَالٍ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَالْكِتَابَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ، فَحُقُوقُ هَذِهِ الْعُقُودِ تَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ، وَالْوَكِيلُ فِيهَا يَكُونُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا مَحْضًا.
حَتَّى إنَّ وَكِيلَ الزَّوْجِ فِي النِّكَاحِ لَا يُطَالَبُ بِالْمَهْرِ، وَإِنَّمَا يُطَالَبُ بِهِ الزَّوْجُ إلَّا إذَا ضَمِنَ الْمَهْرَ، فَحِينَئِذٍ يُطَالَبُ بِهِ لَكِنْ بِحُكْمِ الضَّمَانِ، وَوَكِيلُ الْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ الْمَهْرِ.
وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ إنْ كَانَ وَكِيلَ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ وَكِيلَ الْمَرْأَةِ لَا يُطَالَبُ بِبَدَلِ الْخُلْعِ، إلَّا بِالضَّمَانِ.
وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ وَأَخَوَاتِهِمَا تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: لَا يَرْجِعُ شَيْءٌ مِنْ الْحُقُوقِ إلَى الْوَكِيلِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْوَكِيلَ مُتَصَرِّفٌ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْمُوَكِّلِ، وَتَصَرُّفُ النَّائِبِ تَصَرُّفُ الْمَنُوبِ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَ تَصَرُّفِهِ يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ؟ فَكَذَا حُقُوقُهُ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ تَابِعَةٌ لِلْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ هُوَ الْمَتْبُوعُ فَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ لَهُ فَكَذَا التَّابِعُ.
(وَلَنَا): أَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً، فَكَانَتْ حُقُوقُ الْعَقْدِ رَاجِعَةً إلَيْهِ، كَمَا إذَا تَوَلَّى الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ كَلَامُهُ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ حَقِيقَةً وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ فَاعِلًا بِفِعْلِ الْغَيْرِ حَقِيقَةً، وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ مُقَرَّرَةٌ بِالشَّرِيعَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى} وَقَالَ اللَّه- عَزَّ شَأْنُهُ-: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْحُكْمِ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وُجِدَ مِنْهُ حَقِيقَةً وَشَرْعًا، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ أَصْلَ الْحُكْمِ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إنَّمَا فَعَلَهُ لَهُ بِأَمْرِهِ وَإِنَابَتِهِ، وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ مُضَافٌ إلَى الْآمِرِ، فَتَعَارَضَ الشَّبْهَانِ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، فَعَمِلْنَا بِشِبْهِ الْآمِرِ.
وَالْإِنَابَةُ بِإِيجَابِ أَصْلِ الْحُكْمِ لِلْمُوَكِّلِ وَنِسْبَةِ الْحَقِيقَةِ الْمُقَرَّرَةِ بِالشَّرِيعَةِ بِإِثْبَاتِ تَوَابِعِ الْحُكْمِ لِلْوَكِيلِ تَوْفِيرًا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظُّهُمَا مِنْ الْحُكْمِ، وَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِالْعَكْسِ، وَهُوَ إثْبَاتُ أَصْلِ الْحُكْمِ لِلْوَكِيلِ، وَإِثْبَاتُ التَّوَابِعِ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي نَفَاذِ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ هُوَ الْوِلَايَةُ؛ لِأَنَّهَا عِلَّةُ نَفَاذِهِ إذْ لَا مِلْكَ لَهُ.
وَالْمُوَكِّلُ أَصْلٌ فِي الْوِلَايَةِ، وَالْوَكِيلُ تَابِعٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ بَلْ بِوِلَايَةٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ قِبَلِ الْمُوَكِّلِ، فَكَانَ إثْبَاتُ أَصْلِ الْحُكْمِ لِلْمُوَكِّلِ، وَإِثْبَاتُ التَّوَابِعِ لِلْوَكِيلِ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي مَوْضِعِهِ وَهُوَ حَدُّ الْحِكْمَةِ، وَعَكْسُهُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَهُوَ حَدُّ السَّفَهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَأَخَوَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُنَاكَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْمُوَكِّلِ بَلْ هُوَ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ، بَلْ إلَى مُوَكِّلِهِ؟ فَانْعَدَمَتْ النِّيَابَةُ، فَبَقِيَ سَفِيرًا مَحْضًا فَاعْتُبِرَ الْعَقْدُ مَوْجُودًا مِنْ الْمُوَكِّلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، ثُمَّ نَقُولُ: إنَّمَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ، وَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعُهْدَةِ، (فَأَمَّا) إذَا لَمْ يَكُنْ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا مَحْجُورًا يَنْفُذُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ، وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّبَرُّعِ؛ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ، لِكَوْنِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ الْمَحْضَةِ، فَيَقَعُ مَحْضًا لِحُصُولِ التَّجْرِبَةِ وَالْمُمَارَسَةِ لَهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْوَكِيلِ الْمَحْجُورِ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا خِيَارَ لَهُ، فَأَمَّا إذَا كَانَ جَاهِلًا فَلَهُ الْخِيَارُ، إنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الرِّضَا شَرْطُ جَوَازِ التِّجَارَةِ، وَقَدْ اخْتَلَّ الرِّضَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَى الْعَقْدِ، عَلَى أَنْ تَكُونَ الْعُهْدَةُ عَلَى الْعَاقِدِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ اخْتَلَّ رِضَاهُ، فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ، كَمَا إذَا ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ (وَجْهُ) ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ: أَنَّ الْجَهْلَ بِالْحَجْرِ لَيْسَ بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ، خُصُوصًا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ هُوَ الْحَجْرُ، وَالْإِذْنُ يُعَارِضُ الرُّشْدَ، فَكَانَ سَبَبُ الْوُصُولِ إلَى الْعِلْمِ قَائِمًا، فَالْجَهْلُ بِهِ لِتَقْصِيرٍ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يُعْذَرُ وَيُعْتَبَرُ عَالِمًا.
وَلَوْ عَلِمَ بِالْحَجْرِ حَقِيقَةً لَمَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَذَا هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الْوَكِيلُ بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِيدَاعِ وَالرَّهْنِ وَالْقَرْضِ إذَا فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَقَبَضَ لَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِرَدِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَى يَدِهِ وَلَا أَنْ يَقْبِضَ الْوَدِيعَةَ وَالْعَارِيَّةَ وَالرَّهْنَ وَلَا الْقَرْضَ مِمَّنْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ يَقِفُ عَلَى الْقَبْضِ، وَلَا صُنْعَ لِلْوَكِيلِ فِي الْقَبْضِ، بَلْ هُوَ صُنْعُ الْقَابِضِ فِي مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لِلْمَوْلَى، فَكَانَتْ حُقُوقُ الْعَقْدِ رَاجِعَةً إلَيْهِ، وَكَانَ الْوَكِيلُ سَفِيرًا عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ.
بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَأَخَوَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا لِلْعَقْدِ لَا لِلْقَبْضِ، وَهُوَ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً وَشَرْعًا عَلَى مَا قَرَّرْنَا فَكَانَتْ الْحُقُوقُ عَائِدَةً إلَيْهِ وَكَذَا فِي التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِعَارَةِ، وَالِارْتِهَانِ وَالِاسْتِيهَابِ، الْحُكْمُ وَالْحُقُوقُ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ.
وَكَذَا فِي التَّوْكِيلِ بِالشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ لِمَا قُلْنَا.
وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْحُقُوقِ، وَالْمَالِكُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا فَمَلَكَ تَوْكِيلَ غَيْرِهِ فِيهَا.
(وَمِنْهَا): أَنَّ الْمَقْبُوضَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ بِجِهَةِ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقَبْضِ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ- أَمَانَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ، لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ نِيَابَةٍ عَنْ الْمُوَكِّلِ بِمَنْزِلَةِ يَدِ الْمُودِعِ، فَيَضْمَنُ بِمَا يَضْمَنُ فِي الْوَدَائِعِ، وَيَبْرَأُ بِمَا يَبْرَأُ فِيهَا، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا وَقَالَ: اقْضِهِ فُلَانًا عَنْ دَيْنِي فَقَالَ الْوَكِيلُ: قَدْ قَضَيْتُ صَاحِبَ الدَّيْنِ، فَادْفَعْهُ إلَيَّ وَكَذَّبَهُ، صَاحِبُ الدَّيْنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ فِي بَرَاءَةِ نَفْسِهِ عَنْ الضَّمَانِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى لَا يَسْقُطَ دَيْنُهُ عَنْ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَمِينٌ فَيُصَدَّقُ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الْغَرِيمِ فِي إبْطَالِ حَقِّهِ، وَتَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ لابد لِلْمُوَكِّلِ مِنْ تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا، وَتَكْذِيبِ الْآخَرِ، فَيَحْلِفُ الْمُكَذَّبُ مِنْهُمَا دُونَ الْمُصَدَّقِ.
فَإِنْ صُدِّقَ الْوَكِيلُ فِي الدَّفْعِ، يَحْلِفُ الطَّالِبُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا قَبَضَهُ، فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَظْهَرْ قَبْضُهُ، وَلَمْ يَسْقُطْ دَيْنُهُ، وَإِنْ نَكَلَ ظَهَرَ قَبْضُهُ وَسَقَطَ دَيْنُهُ عَنْ الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ صُدِّقَ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَكُذِّبَ الْوَكِيلُ، يَحْلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَقَدْ دَفَعَهُ إلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا دَفَعَ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْدَعَ مَالَهُ رَجُلًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى فُلَانٍ، فَقَالَ الْمُودَعُ: دَفَعْتُ، وَكَذَّبَهُ فُلَانٌ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا.
وَلَوْ دَفَعَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ إلَى رَجُلٍ، وَادَّعَى أَنَّهُ قَدْ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِأَمْرِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ، وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ الْأَمْرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْأَمْرَ، وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ.
وَلَوْ كَانَ الْمَالُ مَضْمُونًا عَلَى رَجُلٍ كَالْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ الدَّيْنِ عَلَى الْغَرِيمِ، فَأَمَرَ الطَّالِبُ، أَوْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ، فَقَالَ الْمَأْمُورُ: قَدْ دَفَعْتُ إلَيْهِ، وَقَالَ فُلَانٌ: مَا قَبَضْتُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ فُلَانٍ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ.
وَلَا يُصَدَّقُ الْوَكِيلُ عَلَى الدَّفْعِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِتَصْدِيقِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَدَّعِي الدَّفْعَ إلَى فُلَانٍ يُرِيدُ إبْرَاءَ نَفْسِهِ عَنْ الضَّمَانِ الْوَاجِبِ، فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِتَصْدِيقِ الْمُوَكِّلِ.
فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ يَبْرَأُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا صَدَّقَهُ فَقَدْ أَبْرَأَهُ عَنْ الضَّمَانِ، وَلَكِنَّهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ عَلَى الْقَابِضِ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا لَا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْقَبْضِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ.
وَلَوْ كَذَّبَهُ الْمُوَكِّلُ فِي الدَّفْعِ، وَطَلَبَ الْوَكِيلُ يَمِينَهُ؛ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ دَفَعَ، فَإِنْ حَلَفَ أُخِذَ مِنْهُ الضَّمَانُ، وَإِنْ نَكَلَ سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُ.
وَلَوْ أَنَّ الْوَكِيلَ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ الْمَالُ قَضَى الدَّيْنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَأَمْسَكَ مَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمُوَكِّلُ، جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الدَّرَاهِمَ أَصْلًا وَقَضَى الْوَكِيلُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ وَكِيلٌ بِشِرَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الطَّالِبِ، وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ جَازَ فَهَذَا أَوْلَى.
وَلَوْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا، وَلَكِنَّهُ أَمَرَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ فَقَالَ الْوَكِيلُ قَضَيْتُهُ، وَكَذَّبَهُ الطَّالِبُ وَالْمُوَكِّلُ، فَأَقَامَ الْوَكِيلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ قَضَى صَاحِبَ الدَّيْنِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَبَرِئَ الْمُوَكِّلُ مِنْ الدَّيْنِ وَيَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمَا قَضَى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ حِسًّا، وَمُشَاهَدَةً، وَقَدْ ثَبَتَ قَضَاءُ الدَّيْنِ بِالْبَيِّنَةِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَكَذَّبَهُ الطَّالِبُ وَالْمُوَكِّلُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا مَعَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِدَعْوَى الْقَبْضِ يُرِيدُ إيجَابَ الضَّمَانِ عَلَى الطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إسْقَاطَ الدَّيْنِ عَنْ الْمُوَكِّلِ، وَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ: وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ الْمَقْبُوضُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ الطَّالِبِ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ دَيْنٌ مِثْلُهُ، فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا، وَالطَّالِبُ مُنْكِرٌ.
وَكَذَا الْمُوَكِّلُ مُنْكِرٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا مَعَ الْيَمِينِ.
أَوْ يُقَالُ: إنَّ الْوَكِيلَ بِقَوْلِهِ: قَضَيْتُ يَدَّعِي عَلَى الطَّالِبِ بَيْعَ دَيْنِهِ مِنْ الْغَرِيمِ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ مِنْهُ وَهُمَا مُنْكِرَانِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا مَعَ الْيَمِينِ، وَيَحْلِفُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ، وَهُوَ قَبْضُ الطَّالِبِ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ فِي الْقَضَاءِ، وَكَذَّبَهُ الطَّالِبُ، يُصَدَّقُ عَلَى الْمُوَكِّلِ دُونَ الطَّالِبِ، حَتَّى يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمَا قَضَى، وَيَغْرَمَ أَلْفًا أُخْرَى لِلطَّالِبِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ صَدَّقَهُ فِي دَعْوَى الْقَضَاءِ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ عَلَى نَفْسِهِ فِي تَصْدِيقِهِ فَثَبَتَ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ هَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ: أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الرُّجُوعِ يَعْتَمِدُ وُجُودَ الْقَضَاءِ، وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ مُنْكِرٌ؛ إلَّا أَنَّا نَقُولُ: إنْكَارُ الطَّالِبِ يَمْنَعُ وُجُودَ الْقَضَاءِ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ مَا لَا يُمْنَعُ وُجُودُهُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ.
وَإِقْرَارُ كُلِّ مُقِرٍّ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ، فَكَانَ الْأَوَّلُ أَشْبَهَ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَى إنْسَانٍ مَالًا لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ فَقَضَاهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ قَضَاهُ الْوَكِيلُ فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ لَمْ يَعْلَمْ بِمَا فَعَلَهُ الْمُوَكِّلُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ، وَيَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الطَّالِبِ بِمَا قَبَضَ مِنْ الْوَكِيلِ.
وَإِنْ عَلِمَ بِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَدْ قَضَاهُ بِنَفْسِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمَّا قَضَاهُ بِنَفْسِهِ، فَقَدْ عَزَلَ الْوَكِيلَ إلَّا أَنَّ عَزْلَ الْوَكِيلِ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ.
فَإِذَا عَلِمَ بِفِعْلِ الْمُوَكِّلِ فَقَدْ عَلِمَ بِالْعَزْلِ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا فِي الدَّفْعِ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ.
وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّعَدِّي، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا كَالْوَكِيلِ بِدَفْعِ الزَّكَاةِ إذَا أَدَّى الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ أَدَّى الْوَكِيلُ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْوَكِيلُ عَلِمَ بِأَدَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ، مَأْمُورٌ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ هُوَ إسْقَاطُ الْفَرْضِ بِتَمْلِيكِ الْمَالِ مِنْ الْفَقِيرِ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ مِنْ الْوَكِيلِ لِحُصُولِهِ مِنْ الْمُوَكِّلِ فَبَقِيَ الدَّفْعُ مِنْ الْوَكِيلِ تَعَدِّيًا مَحْضًا، فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ.
فَأَمَّا قَضَاءُ الدَّيْنِ فَعِبَارَةٌ عَنْ أَدَاءِ مَالٍ مَضْمُونٍ عَلَى الْقَابِضِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
وَالْمَدْفُوعُ إلَى الطَّالِبِ مَقْبُوضٌ عَنْهُ وَالْمَقْبُوضُ بِجِهَةِ الضَّمَانِ مَضْمُونٌ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، لِكَوْنِهِ مَقْبُوضًا بِجِهَةِ الْقَضَاءِ، وَالْمَقْبُوضُ بِجِهَةِ الْقَضَاءِ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ.
وَيُقَالُ: إنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ عِبَارَةٌ عَنْ نَوْعِ مُعَاوَضَةٍ، وَهُوَ نَوْعُ شِرَاءِ الدَّيْنِ بِالْمَالِ.
وَالْمَقْبُوضُ مِنْ الْوَكِيلِ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الشِّرَاءِ، وَالْمَقْبُوضُ بِجِهَةِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي.
بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَهُ عَلَى عِلْمِهِ بِدَفْعِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ بِجِهَةِ الضَّمَانِ، لِانْعِدَامِ الْقَبْضِ بِجِهَةِ الْقَضَاءِ، فَبَقِيَ تَعَدِّيًا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ التَّعَدِّي.
وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِدَفْعِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَمِينِ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَكِنْ مَعَ الْيَمِينِ.
وَعَلَى هَذَا إذَا مَاتَ الْمُوَكِّلُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِمَوْتِهِ حَتَّى قَضَى الدَّيْنَ، لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
وَإِذَا كَانَ عَالِمًا بِمَوْتِهِ، ضَمِنَ لِمَا قُلْنَا- وَاَللَّهُ عَزّ وَجَلَّ- أَعْلَمُ.
الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الْعَبْدِ إذَا قَالَ: بِعْتُ وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ وَهَلَكَ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ.
(أَمَّا) إنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ سَلَّمَ الْعَبْدَ إلَى الْوَكِيلِ.
أَوْ كَانَ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَلَّمَ الْعَبْدَ إلَيْهِ فَقَالَ الْوَكِيلُ: بِعْتُهُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَقَبَضْتُ مِنْهُ الثَّمَنَ وَهَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِي.
أَوْ قَالَ دَفَعْتُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ.
فَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا: أَنْ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ أَوْ كَذَّبَهُ.
فَإِنْ كَذَّبَهُ بِالْبَيْعِ أَوْ صَدَّقَهُ بِالْبَيْعِ وَكَذَّبَهُ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ صَدَّقَهُ فِيهِمَا وَكَذَّبَهُ فِي الْهَلَاكِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَهْلِكُ الثَّمَنُ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ.
وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: بِأَنْ كَذَّبَهُ بِالْبَيْعِ، أَوْ صَدَّقَهُ بِالْبَيْعِ وَكَذَّبَهُ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ يُصَدَّقُ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْوَكِيلِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ جَائِزٌ عَلَيْهِ.
وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ نَقَدَ الثَّمَنَ ثَانِيًا إلَى الْمُوَكِّلِ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْمَبِيعَ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا عَلَى الْوَكِيلِ بِمَا نَقَدَهُ.
كَذَا.
وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ، وَزَعَمَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ، وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْوَكِيلَ يُصَدَّقُ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي إقْرَارِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالْقَبْضِ، لِمَا ذَكَرْنَا.
وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
إلَّا أَنَّ هُنَاكَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ.
وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ فِي الْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ وَكَذَّبَهُ فِي الْهَلَاكِ أَوْ الدَّفْعِ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ فِي دَعْوَى الْهَلَاكِ، أَوْ الدَّفْعِ إلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ.
وَيُجْبَرُ الْمُوَكِّلُ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَبْدِ إلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ الْبَيْعُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ بِتَصْدِيقِهِ إيَّاهُ.
وَلَا يُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي بِنَقْدِ الثَّمَنِ ثَانِيًا إلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُصُولُ الثَّمَنِ إلَى يَدِ وَكِيلِهِ بِتَصْدِيقِهِ، وَوُصُولُ الثَّمَنِ إلَى يَدِ وَكِيلِهِ كَوُصُولِهِ إلَى يَدِهِ.
هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مُسَلَّمًا إلَى الْوَكِيلِ.
فَأَمَّا إذَا كَانَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ فَقَالَ الْوَكِيلُ: بِعْتُهُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَقَبَضْتُ مِنْهُ الثَّمَنَ فَهَلَكَ عِنْدِي أَوْ قَالَ: دَفَعْتُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ، أَوْ قَالَ: قَبَضَ الْمُوَكِّلُ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْوَكِيلَ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَيُسَلَّمُ الْعَبْدُ إلَى الْمُشْتَرِي، وَيَبْرَأُ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ.
(أَمَّا) إذَا صَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: فَلَا يُشْكَلُ.
وَكَذَا إذَا كَذَّبَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ صَدَّقَهُ فِيهِ وَكَذَّبَهُ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَقَرَّ بِبَرَاءَةِ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ، فَلَا يَحْلِفُ.
وَيَحْلِفُ الْوَكِيلُ.
فَإِنْ حَلَفَ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ بَرِئَ مِنْ الثَّمَنِ.
وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ ضَمَانُ الثَّمَنِ لِلْمُوَكِّلِ.
فَإِنْ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي- فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ.
إذَا أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهُ.
وَالْوَكِيلُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمَا ضَمِنَ مِنْ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ فَإِقْرَارُ الْوَكِيلِ فِي حَقِّهِ جَائِزٌ وَلَا يَجُوزُ فِي حَقِّهِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُوَكِّلَ عَلَى الْعِلْمِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ.
فَإِنْ نَكَلَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ.
وَلَوْ أَقَرَّ الْمُوَكِّلُ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ الثَّمَنَ لَكِنَّهُ كَذَّبَهُ فِي الْهَلَاكِ أَوْ الدَّفْعِ إلَيْهِ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ يَدَ وَكِيلِهِ كَيَدِهِ.
وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ لَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ الثَّمَنَ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُمَا عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَجُوزُ.
وَلَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمَبِيعَ، وَلَكِنَّهُ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا، كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْوَكِيلَ، فَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، رَجَعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ إنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهُ، وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمَا ضَمِنَ، إذَا أَقَرَّ الْمُوَكِّلُ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ الثَّمَنَ، وَيَكُونُ الْمَبِيعُ لِلْمُوَكِّلِ.
وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ الْمُوَكِّلُ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ الثَّمَنَ، لَا يَرْجِعُ الْوَكِيلُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُوَكِّلِ.
وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُوَكِّلَ عَلَى الْعِلْمِ بِقَبْضِهِ.
فَإِنْ نَكَلَ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْجِعُ، وَلَكِنَّهُ يَبِيعُ الْعَبْدَ فَيَسْتَوْفِي مَا ضَمِنَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ رَدَّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ فَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ عَلَى أَحَدٍ وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ لَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ، لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ وَعَلَى الْمُوَكِّلِ الْيَمِينُ عَلَى الْبَتَاتِ فَإِنْ نَكَلَ رَجَعَ عَلَيْهِ وَالْمَبِيعُ لَهُ.
وَإِنَّ حَلَفَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَكِنَّ الْمَبِيعَ يُبَاعُ عَلَيْهِ.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْوَكِيلَ يَبِيعُهُ فِي قَوْلِهِمَا.
وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: لَا يَبِيعُهُ وَجَعَلَ هَذَا كَبَيْعِ مَالِ الْمَدْيُونِ الْمُفْلِسِ.
وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ لَوْ بَاعَهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رُدَّ عَلَيْهِ فَسْخًا، عَادَتْ الْوَكَالَةُ.
فَإِذَا بِيعَ الْعَبْدُ يَسْتَوْفِي الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ مِنْهُ إنْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ نَفْسِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ وَضَمِنَ الْمُشْتَرِي، يَأْخُذُ مِنْ الثَّمَنِ مِقْدَارَ مَا غَرِمَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ رَدَّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ.
(وَمِنْهَا): أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ إذَا لَمْ يَدْفَعْ الْمُوَكِّلُ إلَيْهِ مَالًا لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْهُ فَقَضَاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، يَرْجِعُ بِمَا قَضَى عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ اسْتِقْرَاضٌ مِنْهُ، وَالْمُقْرِضُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ بِمَا أَقْرَضَهُ.
وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ الثَّمَنِ إلَى الْوَكِيلِ تَوْكِيلٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَهُوَ الثَّمَنُ وَالْوَكِيلُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ: إذَا قَضَى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ.
فَكَذَا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ، وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ؛ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ مِنْ الْمُوَكِّلِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ: لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمَبِيعَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْوَكِيلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَالْهَلَاكُ عَلَى الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَا يَسْقُطَ الثَّمَنُ عَنْهُ وَلَيْسَ لِلْأَمِينِ حَبْسُ الْأَمَانَةِ بَعْدَ طَلَبِ أَهْلِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا} فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ.
(وَلَنَا) أَنَّهُ عَاقِدٌ وَجَبَ الثَّمَنُ لَهُ عَلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ- ضَمَانًا لِلْمَبِيعِ، فَكَانَ لَهُ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ؛ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، كَالْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي- وَإِذَا طَلَبَ مِنْهُ الْمُوَكِّلُ، فَحَبَسَهُ حَتَّى هَلَكَ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا.
لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: يَكُونُ مَضْمُونًا ضَمَانَ الْبَيْعِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ مَضْمُونًا ضَمَانَ الرَّهْنِ.
وَقَالَ زُفَرُ: يَكُونُ مَضْمُونًا ضَمَانَ الْغَصْبِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَبِيعَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَالْأَمِينُ لَا يَمْلِكُ حَبْسَ الْأَمَانَةِ عَنْ صَاحِبِهَا، فَإِذَا حَبَسَهَا فَقَدْ صَارَ غَاصِبًا، وَالْمَغْصُوبُ مَضْمُونٌ بِقَدْرِهِ مِنْ الْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذِهِ عَيْنٌ مَحْبُوسَةٌ بِدَيْنٍ يَسْقُطُ بِهَلَاكِهَا فَكَانَتْ مَضْمُونَةً بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا وَمِنْ الدَّيْنِ كَالرَّهْنِ.
(وَجْهٌ) قَوْلُهُمَا أَنَّ هَذِهِ عَيْنٌ مَحْبُوسَةٌ بِدَيْنٍ هُوَ ثَمَنٌ، فَكَانَتْ مَضْمُونَةً ضَمَانَ الْبَيْعِ، كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ؛ إذَا بَاعَ، وَسَلَّمَ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ؛ فَيَأْخُذُ عَيْنَهُ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَمِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ هَالِكًا، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.